على بعد ثمانية كيلومترات شمال غرب أهرامات الجيزة، تضم الضفة الغربية لنهر النيل موقع أبو رواش الأثري. وعلى بعد مرمى حجر منه، تقع أكبر محطة لمعالجة مياه الصرف الصحي في العالم، وهي نموذج للاستدامة البيئية الذي يتماشى مع أهداف الأمم المتحدة للتنمية المستدامة.

وتقول السيدة باكينام محمد، الحاصلة على شهادة في الهندسة المدنية من جامعة عين شمس بالقاهرة، والمسؤولة عن الإشراف على بناء منشآت المحطة، "أنها تتشرف" بأن تكون جزءًا من هذا المشروع الكبير. وهنا، نحن نحمي صحة المصريين، ونتأكد من عدم تلوث النيل، ونحافظ على التنوع البيولوجي، ونوفر المياه النظيفة للمزارعين". وتضيف "أنا فخورة بالمساهمة في مستقبل نظيف للأجيال القادمة".

وفي إطار إستراتيجية الحكومة المصرية للتنمية المستدامة "رؤية 2030"، التي أطلقت في مارس 2015، فقد حددت الحكومة إعادة استخدام مياه الصرف الصحي كأولوية استراتيجية في محاولة لتأمين موارد المياه في البلاد. وستمكّن معالجة مياه الصرف الصحي بشكل خاص من الاستفادة منها للري (زراعة الأشجار) وتوفير المياه للاحتياجات الصناعية.

ولتحقيق ذلك، ومع التقيد باحترام البيئة، أطلقت مصر، وهي البلد المضيف لمؤتمر الأمم المتحدة لتغير المناخ (مؤتمر الأطراف 27) في عام 2022، مشروعًا ضخمًا يتمثل في محطة معالجة أبو رواش. وقام البنك الأفريقي للتنمية بتدعيم بنائها بقيمة تصل إلى 150 مليون دولار أمريكي.

ويقول الدكتور عصام عوض، المدير العام للمحطة "لدينا هنا، ثاني أكبر محطة لمعالجة مياه الصرف الصحي في البلاد وواحدة من العشرة الأوائل في العالم. واليوم، توفر المحطة مياهًا أنظف بعشر مرات مما كانت عليه من قبل، وتغطي حاجات الصرف الصحي لتسعة مليون نسمة في القاهرة الكبرى، وتعالج 1.6 مليون متر مكعب من المياه المستعملة يومياً.

ولم يترتب على تشغيل المحطة تحسين الظروف المعيشية لسكان القاهرة الكبرى فحسب، بل ترتب عليه أيضًا توفير ما يقرب من 150 فرصة عمل في الموقع وفرصًا لعدد من الشركات العاملة في صناعات متعددة.

وتعد مصر من أسرع الدول نموًا في أفريقيا، مما يعني أن تدفق المياه العادمة المراد معالجتها آخذ في الازدياد، خاصة في منطقة القاهرة. وقد تجاوزت كمية المياه العادمة، التي تخص محطة أبو رواش، 1.6 مليون متر مكعب في اليوم، ومن المتوقع أن تصل إلى مليوني متر مكعب في السنوات المقبلة. ووفقًا لدراسة الأثر البيئي والاجتماعي التي نشرتها البنك الأفريقي للتنمية، هناك حاجة لزيادة متوسط قدرة محطة أبو رواش لمعالجة مياه الصرف الصحي بمقدار 400 ألف متر مكعب يوميًا في أنشطة المعالجة المسبقة والمعالجة الأولية والثانوية وأنشطة معالجة مياه الصرف الصحي بالكلور.

ويؤكد الدكتور عصام عوض قائلا "إن مسألة تغير المناخ لا تنتظرنا، لذا علينا العمل على نطاق واسع"، وشدد على أهمية مثل هذا المشروع بالنسبة لمصر كأحد الحلول لمواجهة أثار تغير المناخ.

ويُذكر أن مشروع أبو رواش يتماشى مع الإطار الاستراتيجي للبنك الأفريقي للتنمية لتحقيق تنمية فعالة وعادلة ومستدامة من خلال الإدارة المتكاملة للموارد المائية. كما أنه يساهم في "الأولويات الاستراتيجية الخمس العليا" للبنك من خلال تطوير البنية التحتية الحيوية من أجل تحقيق النمو الشامل والأخضر، وزيادة الإنتاج الزراعي وتحسين نوعية الحياة للسكان.

وتجدر الإشارة إلى أن مصر ومجموعة البنك الأفريقي للتنمية شريكتان منذ أكثر من نصف قرن، وذلك من خلال نشر أكثر من 100 عملية في كامل التراب المصري، وحشدت أكثر من ستة مليارات دولار في العديد من القطاعات الاستراتيجية.